لا تنفك الدول الغنية عن تصدير نفاياتها إلى الدول النامية بدل أن تساهم في الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ، من ذلك أنها تصدّر سياراتها المستعملة وغير الصالحة للاستعمال ما يزيد من خطر الحوادث في هذه البلدان ذات البنية التحتية الضعيفة.
باريس – تشكل السيارات المستعملة المصدّرة بالملايين تهديدا للدول النامية، خصوصا بسبب تلويثها للبيئة وخطرها على السلامة، في ظل نقص في المعايير اللازمة لضبط هذه النشاطات التجارية، وفق تحذيرات تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاثنين.
وأشار التقرير، القائم على تحليل مستفيض لـ 146 دولة، إلى أن حالة السيارات والشاحنات الصغيرة والحافلات الصغيرة التي يتم تصديرها تكون متردية، ما يعيق الجهود المبذولة للتخفيف من آثار تغير المناخ.
وصدّر الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة حوالي ثلاثة ملايين سيارة خاصة سنويا بين العامين 2015 و2018، بينها 70 في المائة إلى بلدان نامية.
وترسل البلدان الأوروبية التي تستحوذ على أكثر من نصف الصادرات، سياراتها القديمة خصوصا إلى أوروبا الشرقية، وأيضا إلى نيجيريا وليبيا من مرفأي أنتويرب الهولندي ولو هافر الفرنسي.
وترسل اليابان سيارات إلى الشرق الأوسط وجنوب القارة الإفريقية، فيما تصدّر الولايات المتحدة سيارات مستعملة إلى المكسيك ودل اخرى في الشرق الأوسط.
وفي ميناء أمستردام، خلال تفتيش للسلطات الهولندية نهاية 2019، كان معدّل عمر السيارات التي تنتظر إرسالها إلى الخارج 18 عاما، كما أن كلا منها كان قد اجتاز أكثر من مائتي ألف كيلومتر في المعدل.
ما لا يقل عن 93 في المائة من هذه السيارات كانت مصنفة “يورو 3” ضمن معايير الانبعاثات الأوروبية (أي المركبات الموضوعة في الخدمة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي)، أو ما قبل.
وكان جزء من هذه المركبات خارج الخدمة، كما أن المحوّل الحفاز (مفاعل صغير يحوّل العوادم المضرة لتفادي ضرر الانبعاثات) كان مقصوصا في بعض هذه المركبات. وصُدّرت أقدم المركبات إلى غامبيا، فيما راح أجددها إلى المغرب.
تجارة مربحة لكنها خطيرة
هذا التقرير غير مسبوق لأنه يجمع بيانات كانت متناثرة في السجلات الوطنية. وقال روب دي جونغ مدير وحدة التنقل المستدام في برنامج الأمم المتحدة للبيئة خلال مؤتمر صحافي، “هذه النتائج ليست بالأمر الجيد. أكثرية هذه المركبات قديمة جدا وتتسم بدرجات كبيرة من التلويث واستهلاك الطاقة والخطورة”.
وتؤدي المركبات المستعملة ذات الجودة الرديئة إلى حدوث المزيد من حوادث الطرق.
وكشفت اختبارات سابقة جرت في بريطانيا أن إطارات السيارات ذرات تلوث مضرة بالبيئة أكثر الف مرة من الغازات الناتجة عن عوادم السيارات.
هذه الذرات هي جسيمات صلبة ميكروسكوبية الحجم، أو قطرات سائلة متناهية الصغر يستنشقها الإنسان لتكون سبباً في مشكلات صحية خطيرة تصيب الرئة والقلب على وجه الخصوص.
وحذرت الدراسة التي غجراها خبراء مؤسسة “ايمين اناليتكس” التي تعمل في بريطانيا عن هذه التجارب من أنّ انخفاض مستوى ضغط الهواء في الإطارات وخشونة أسفلت الشارع والإطارات رخيصة الثمن والقديمة ترفع من نسبة التلوث الناتج عن تآكلها.
وتذهب كثير من تقديرات المختصين إلى أنّ جبال الإطارات التالفة تضم أكثر من مليار ونصف مليار إطار، وهو رقم مخيف يحير المختصين بحماية البيئة.
ووفقا للتقرير، فإن العديد من البلدان التي لديها أنظمة “ضعيفة جدًا” أو “ضعيفة” للسيارات المستعملة، بما في ذلك ملاوي ونيجيريا وزيمبابوي وبوروندي، لديها أيضًا معدلات عالية جدًا للوفيات الناجمة عن حوادث الطرق. في حين أن البلدان التي أدخلت لوائح لإدارة استيراد المركبات المستعملة تشهد أيضًا أساطيل أكثر أمانًا وحوادث أقل.
وفيما قد يرتفع عدد المركبات إلى ما لا يقل عن الضعف بحلول 2050 ليصل إلى ملياري وحدة في العالم، بات من الضروري وضع ضوابط قانونية لهذه الصادرات، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة. ويبدو ذلك أكثر إلحاحا بالنظر إلى أن الصين التي كانت تمنع تصدير السيارات المستعملة حتى 2019، قد تصبح سريعا لاعبا أساسيا في هذه السوق.
سم قاتل
إلى ذلك، ازدادت نسبة السيارات العاملة بالديزل بصورة كبيرة بين هذه المركبات المستعملة المصدّرة في السنوات الأخيرة، بعدما خف بريقها في الأسواق الأوروبية.
ويخلص التقرير إلى أن هناك حاجة إلى إجراء مزيد من البحث لمزيد من التفاصيل حول آثار التجارة في المركبات المستعملة، بما في ذلك تأثير المركبات الثقيلة المستعملة.
وقالت مديرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة إينغر أندرسن في بيان إن “جعل أسطول المركبات العالمي أكثر مراعاة للبيئة أولوية في سبيل تحقيق أهدافنا المناخية ولجودة الهواء”.
وأضافت “البلدان المتقدمة يجب أن توقف تصدير المركبات التي تفشل في اختبارات السلامة والتلوث، والتي لا يمكن أن تسير على طرق بلدانها الأصلية. كما يجب على البلدان المستوردة اعتماد معايير جودة أكثر تشددا” من خلال عدم القبول بأي مركبات لا يقل تصنيفها عن “يورو 4” (مصنعة سنة 2005 وما بعد).
وتفرض جمهورية الكونغو الديموقراطية ألا يكون عمر السيارات المستوردة إلى أراضيها يتعدى عشرين عاما، من دون أي ضوابط على صعيد انبعاثات الغازات المسببة للتلوث. أما جورجيا فلا تفرض أي ضرائب سوى على سعة المحركات كما أن طرقها تضم بعضا من أقدم السيارات في العالم.
واعتمد حوالي أربعين بلدا في المقابل قواعد مشددة على الواردات.
ومنعت بلدان عدة بينها تشيلي وجنوب إفريقيا استيراد السيارات المستعملة، فيما تفرض سريلانكا ألا يتعدى عمر السيارة المستعملة المستوردة ثلاث سنوات مع تشجيع استيراد المركبات الكهربائية.
من ناحيتها، قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أخيرا المنع التدريجي لاستيراد أي مركبات يقل تصنيفها عن “يورو 4” أو يزيد عمرها عن خمس سنوات كحد أقصى