عدن / تقرير: عـــلاء عـــادل حـــنش:
أكد عدد من الأدباء والمثقفين الجنوبيين على أهمية اللغة العربية، مطالبين بضرورة الاهتمام بها.
جاء ذلك خلال الفعالية العلمية التي نظمها اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بالتنسيق مع قسم اللغة العربية في كلية التربية عدن وقسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب صباح يوم الخميس 17 ديسمبر / كانون أول 2020م، تحت عنوان: "اللغة العربية والتحديات المعاصرة ".
وجاءت الفعالية العلمية، التي أُقيمت في قاعة الشاعر العربي سليمان العيسى بكلية التربية عدن في العاصمة الجنوبية عدن، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية الذي يُصادف (18 ديسمبر) من كل عام.
*لغة مئتي مليون عربي ومليار مسلم*
وبدأ الفعالية رئيس قسم اللغة العربية د.سالم السلفي، الذي أدار الفعالية باقتدار عال، بالحديث عن أهمية اللغة العربية، وتاريخها العريق.
وقال السلفي ان: "اللغة العربية هي لغة ما يُقارب الـ(مئتي مليون عربي، وما يُقارب من مليار مسلم، وهي أحدى اللغات الخمس الأكثر انتشارًا بالعالم إلى جانب (الإنجليزية، والصينية، والهندية، والإسبانية)، كما انها إحدى اللغات الست التي تُكتب بها وثائق الأمم المتحدة منذُ سنة 1974م".
وأضاف: "تحتوي اللغة العربية في داخلها على مقومات ومميزات كثيرة تؤهلها إلى أن تكون لغةً عالمية.. وعلى رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها اللغة العربية في هذا الزمان والمكان إلا انني متفائل بمستقبل هذه اللغة، إذ تشير كثير من المؤشرات إلى أن اللغة العربية صارت في موضع اهتمام كثير من الأمم والشعوب، وصارت أحدى اللغات التي تتسابق الجامعات والمراكز العلمية والمؤسسات الاكاديمية المختلفة في فتح اقسام لها، وبرامج ومعاهد، حتى في الدول الأجنبية، التي نظن انها ليست مهتمة باللغة العربية".
وتابع: "نحن معنيون بالاهتمام باللغة العربية، وهناك عدد من الفعاليات بالعاصمة عدن تحتفي باللغة العربية في هذا اليوم".
وأكد السلفي، في ختام حديثه، انه يجب: "علينا أن نؤمن بأننا نعيش في عالم متنوع"، في إشارة منه إلى أهمية تعلم اللغات الأجنبية الأخرى شريطة عدم إهمال اللغة العربية (الأم).
*تيسير النحو في العصر الحديث*
بعدها، تحدث أستاذ النحو والصرف المشارك د.هاني عبد الكريم فخري، في ورقته المعنونة بـ"تيسير النحو في العصر الحديث"، عن أهم المشكلات التي تعاني منها اللغة العربية، مؤكدًا أن أهم مشكلة تعاني منها العربية هي مشكلة "النحو"، حد تعبيره.
وقال فخري أن: "الصعوبة لا تكمن في اللغة العربية، بل في قواعد اللغة العربية".
وأشار إلى أن بعض دارسيّ اللغة العربية ينفرون منها بسبب نحوها، وقواعدها، لا بسبب ذاتها، حد وصفه.
وتطرق فخري إلى مفهوم التيسير وعلاقته بالتجديد.
وتحدث عن التيسير حديثًا، والشكوى من صعوبة النحو في العصر الحديث، مشيرًا إلى أن الميسرين التقليديين، ورواد ذلك الاتجاه هم: (الشرتوني، وعباس حسن، ومحمد عبد، وأحمد مختار عمر، ومحمود مغالسة)، وغيرهم.
وأكد أن هناك ميسرين حداثيين طالبوا بإلغاء الإعراب، أي الغاء التعقيد النحوي، مشيرًا إلى انهم: (جرجس الخوري، وأمين الخوري، فوري، وقاسم أمين، وأنيس فريحة).
وتطرق فخري إلى (الدعوة إلى لغة وسطية)، وروادها (أحمد أمين، ومحمد كامل حسين)، وغيرهم.
وقال: "ثم جاء التيسير في ضوء المنهج الوظيفي، ومن روادها (إبراهيم مصطفى)، بالإضافة إلى أن هناك الكثير ممن تأثر بإبراهيم مصطفى".
واختتم فخري ورقته بالحديث عن الذين ردوا على دعاة التيسير، وذكر روادها، وهم (محمد عرفة، محمد الخضر حسين)، وغيرهم.
*قدرة العربية على استيعاب العلوم وتأصيلها*
بدوره، تحدث أستاذ اللغويات المشارك في قسم اللغة العربية وآدابها (كلية الآداب بعدن) د. أحمد عبد اللاه البحبح، في ورقته المعنونة بـ"قدرة اللغة العربية على استيعاب العلوم وتأصيلها"، عن قومية اللغة العربية.
وقال أن: "اللغة ليست وسيلة للتواصل والتفاهم وحسب، إنما هي جزءٌ من شخصية الأمة، وركيزة من ركائز قوميتها، وشيءٌ من معناها، ومرآة هويتها وحضارتها، وهي الوطن الروحي لأبناء الأمة الواحدة.. فإذا كانت الأرض التي تجمع أبناء الأمة فوق ترابها تسمى وطنًا، فإن اللغة التي تجمع بينهم في اللسان والفكر والحضارة والعقيدة هي وطنٌ روحيٌ للأمة".
وأضاف: "امتلكت اللغة العربية قدرة على استيعاب العلوم وتأصيلها، بعد ترجمة علوم الأمم الأخرى، وصهرها في الحضارة الإسلامية، وتشجيع العلماء والمثقفين واللغويين على الإبداع، والابتكار، فازدهرت بذلك الحضارة الإسلامية (علميًا، وثقافيًا، وفكريًا، ولغويًا)، وأصلت العلوم وأسست مصطلحًا ومادة علمية باللغة العربية، وألفت في ذلك المؤلفات العلمية، وصّدَّرت العربية بلغتها مؤلفات العلوم المختلفة إلى غيرها من الأمم، وبخاصة الأمة الأوربية التي كانت حينها تعيش في عصور اللام والتخلف".
وتابع: "إن اللغة التي اختارها الله من بين آلاف اللغات لكتابه المعجز الخالد، والتي استطاعت أن تصمد عبر عصورها بألفاظها وجُملها وتركيبها ومعانيها، لقادرةٌ على استيعاب تغيرات الزمن ومستحدثات المستقبل وتطورات العصر".
واستطرد: "إن أهم عامل لاستيعاب اللغة العربية للعلوم التي ازدهرت في الأمم الأخرى هو الترجمة أولًا، والتعريب بصياغة مصطلحات العلوم وقوانينها بصيغةٍ لغويةٍ عربيةٍ"، مشيرًا إلى أن: "الشعوب التي تحتاج إلى الترجمة ليست من الشعوب المتأخرة، بل الحقيقة خلاف ذلك، فإن أكثر الدول ترجمةً في العالم هي الدول المتقدمة".
وأكمل: "من المؤسف أن تكون الدول العربية في ذيل القائمة من حيث عدد الترجمات بشكلٍ عامٍ، والترجمات في التخصصات العلمية بشكلٍ خاصٍ، والتخصصات العلمية التطبيقية بشكلٍ أخص".
واكد البحبح أن: "الخطوة الأولى نحو نهوض الحضارة العربية والإسلامية من جديد، واللحاق بركب التقدم يكون بالترجمة والتعريب، ثم تمكن أبناء العربية من هذه العلوم، والانطلاق من الترجمة والتعريب نحو النهضة العلمية الشاملة".
وقال: "لقد كانت التجربة السورية خير مثال على قدرة العربية على استيعاب العلوم وتأصيلها، إذ قرر السوريون منذُ مطلع القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1919م، تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، ونجحوا نجاحًا مبهرًا، ولو ساندتهم الدول العربية الاخرى لأصبحت العلوم الطبية والتطبيقية الأخرى مطواعةً في عقول أبنائها، وفي واقعهم العلمي النظري والتطبيقي".
وأختتم البحبح ورقته بسرد أهم ثلاث مقومات استيعاب اللغة العربية للعلوم وتأصيلها قائلًا: "وضع معجمات لغوية للمصطلحات العلمية واستحداثها بكل ما هو جديد في ميدان المعرفة، بالإضافة إلى ترجمة وتعريب الكتب والمراجع الأجنبية العلمية الأساسية، وتوفيرها في الجامعات العربية، وتقريرها مصادر رئيسية للأبحاث العلمية والنظرية والتطبيقية، وكذا ترجمة الدوريات والأبحاث العلمية المتجددة، إلى جانب اعتماد اللغة العربية اللغة الرئيسية للتعليم الجامعي الأساسي والعالي في مختلف التخصصات، مع عدم إغفال تعلم لغةٍ أجنبيةٍ واحدةٍ على الأقل".
*علاقة النحو بإتقان اللغة*
وأُختتمت الفعالية العلمية بورقة أستاذ النحو والصرف المساعد بكلية التربية في عدن د.جميل طربوش المعنونة بـ"علاقة النحو بإتقان اللغة كتابةً ومحادثةً".
وقال طربوش: "ربما استقر عند علماء اللغة العربية أن اللغة لا حدود لها بمفرداتها ومعانيها المتعددة التي تصل ببعضها إلى المعاني المتناقضة من خلال التركيب أو ببعض قرائن مفردات الجمل، وكذا باشتقاق أوزان مختلفة للكلمات".
وتساءل قائلًا: "هل النحو بإمكانه أن يوصل صاحبه إلى إتقان اللغة كتابة ومحادثة؟ وهل إتقان الكتابة بلغة سليمة أسهل أم التحدث؟ وماذا تحتاج الكتابة وأختها المحادثة للإتقان؟".
وأجاب طربوش بالقول: "نحن بحاجة لضبط لغتنا ومنع اللحن الذي شاع عند العامة، فمن لم يكن باستطاعته الإحاطة باللغة بإمكانه ضبط اللحن في قواعد العربية النحوية، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لخدمة لغتنا وصيانتها من شيوع اللحن".
وأضاف: "والواقع أن لإتقان الكتابة حدودًا تتعلق بشقيها (الإملاء، والنحو)، وكلاهما متاح".
وأكد أن: "بغياب البيئة الفصيحة يمكن إيجاد بيئة بديلة يوجدها من يرغب بضبط لغته مع من يجتمع معه بالرغبة في استقامة اللغة من اللحن، فاليوم البيئة موجودة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ولكنها قلما تفرض الفصاحة في كل ما تقدمه لمتابعيها".
واستعرض طربوش (سعة اللغة معجميًا، واشتقاق المفردات، ونشأة اللغة، وانتظام علم النحو بأبوابه المختلفة بعد نضجه في كتاب الأصول في النحو لابن السراج).
وقال عن (ابن فارس): "إن لغة العرب لم تنته إلينا كاملةً، وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير، وأن كثيرًا من الكلام ذهب بذهاب أهله".
وأكد طربوش، في ختام ورقته، أن: "لو أمكن للمتكلم ضبط نسخ الجملة الاسمية لوجدنا أن إتقان اللغة ممكنًا ما دام أكثر ما يدور من لحن العامة في هذا الباب، والأمر بحاجة للتدريب مع ضبط الأحكام النحوية".
*مداخلات قيمة وحضور مميز*
وشهدت الفعالية العلمية عدد من المداخلات القيمة بدأها د.فهمي حسن أحمد يوسف الذي أكد على أن: "اللغة العربية تحتاج إلى قرار سياسي حازم فيما يخص تسمية المحلات والاماكن التجارية، مديرية المعلا نموذجًا"، حد تعبيره.
وأشار إلى أن: "حبنا للعربية والدفاع عنها لا يعني ان نظلم اللهجات، فهي تشير أيضًا إلى بقايا حضارات قديمة".
وأكد فهمي أن: "اللغة تُعد قوام القومية، فإذا أردت أن تضرب أمة ما فما عليك إلا ضرب لغتها".
فيما حثت د. إلهام على ضرورة نشر كل ما جاء في الفعالية العلمية، مطالبةً قسم اللغة العربية بإقامة مثل هكذا فعاليات علمية لما لها من أهمية كبيرة في إفادة الطلاب ودارسيّ اللغة العربية.
بدوره، قدم الأستاذ كمال اليمني عدد من المقترحات أشاد بها الحاضرون.
أما طالب ماجستير عوض الحسني فقد أكد أن الحرب ليس على اللغة العربية فحسب، بل على الحضارة الإسلامية ككل.
وحضر الفعالية العلمية رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب الدكتور جنيد محمد الجنيدي، ورئيس الدائرة الثقافية بالأمانة العامة لاتحاد أدباء وكتاب الجنوب الدكتور عبده الدباني، ونائب رئيس اتحاد أدباء وكتاب الجنوب فرع العاصمة الجنوبية عدن الدكتور يحيى شايف الشعيبي، وعدد من أساتذة اللغة العربية، والمهتمين باللغة العربية، وطلاب وطالبات من كلية التربية عدن وكلية الآداب.