زيارة الرئيس بايدن الحالية هي أول زيارة له لإسرائيل والمنطقة منذ توليه منصبه في يناير 2021.
كان واضحاً منذ بداية عهد إدارة بايدن أن الشرق الأوسط لن يحظى بأولوية؛ حيث كان وما زال الاعتقاد السائد لدى الفاعلين في إدارة السياسة الخارجية الأميركية هو أن جميع الصراعات في المنطقة، ولا سيما الفلسطينية الإسرائيلية، وسوريا وحتى اليمن ، غير ناضجة للحل. وعليه، فمن الأجدى أن تركز سياسة الولايات المتحدة على تخفيض تصاعد الأزمات وإحياء الاتفاق النووي مع إيران. الأمر الذي يقتضي تفادي أي نشاط يرفع من التوقعات التي عادة تتولد على إثر زيارة رئاسية، وذلك حتى يمكن تكريس الجهد والموارد لتحقيق هدف الولايات المتحدة الاستراتيجي، وهو ضبط صعود الصين المنافس الأكبر للولايات المتحدة.
الزيارة تأتي بالتوازي مع تطورين هامين: الأول إمكانية إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، والثاني الأزمة في أوكرانيا.
الملف النووي الإيراني:
على الرغم من أن فرص إحياء الاتفاق النووي الإيراني تبدو في تراجع، فإنه لا يزال هناك احتمال بأنه قد يتم التوصل إلى ترتيب للتغلب على المشكلات المتبقية، وهي سياسية في الأساس، وليست فنية، التي حالت حتى الآن دون التوصل إلى اتفاق. ومن ثم، فإن زيارة الرئيس بايدن في هذه المرحلة من شأنها المساعدة في تهدئة مخاوف إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي في حالة التوصل إلى اتفاق مع طهران.
يبدو أن الرؤية الإسرائيلية لنظام الأمن الإقليمي تحظى بتأييد الولايات المتحدة، وذلك في الوقت الذي اتخذت فيه معظم الدول العربية المشاركة في اجتماع النقب موقفاً، فيه قدر كبير من الحذر. فمن المفهوم أن دول مجلس التعاون الخليجي تشعر بالقلق إزاء السياسات الإيرانية في المنطقة، ولكنها في الوقت ذاته انخرطت في محادثات ثنائية مع طهران. ومن ثم، فإن دخولها في أي ترتيب سياسي عسكري موجه ضد طهران قد لا يكون وارداً، على الأقل في المرحلة الحالية، وإلى أن يتضح الموقف بالنسبة لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك ما يخص نتائج المحادثات الثنائية مع طهران.
تركيز الولايات المتحدة على الصين، وآسيا بصفة عامة وعلى الحرب ضد روسيا، تسبب في انخفاض اهتمامها التقليدي بالشرق الأوسط. ولكن مع اندلاع الأزمة في أوكرانيا، أدركت الولايات المتحدة أهمية دعم تحالفاتها وصداقاتها التقليدية في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في أوروباوالشرق الأوسط، وذلك لتأكيد زعامتها للمعسكر الغربي، وإثبات أنها ما زالت مهتمة بالقيام بدور رئيسي في ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة كحليف وصديق يمكن الوثوق به، خاصة بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان. وهو أمر تزداد أهميته في إطار ما يبدو من إقدام واشنطن على مواجهة ممتدة مع روسيا، وربما الصين.
أكد بايدن اليوم على أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن القومى الأمريكي...وأشار إشارة عابرة إلى حل الدولتين.
لدى واشنطن وتل أبيب مصلحة واضحة في عقد مثل هذه القمة. ومن ثم، فإن السؤال المطروح على الدول العربية هو؛ ما مصلحة الدول العربية المعنية في عقد مثل هذه القمة؟
المصلحة الوحيدة ربما تكمن في أن القمة توفر فرصة للتعبير عن شواغلهم بشكل مباشر لرئيس الولايات المتحدة، ليس فقط ما يتعلق بالبيئة الأمنية الإقليمية، بما في ذلك حول سياسات كل من إيران وتركيا وإسرائيل، وإنما أيضاً ما يتصل بتداعيات الأزمة الأوكرانية على مصالحهم. ما يتعدى ذلك سوف يعني الدخول في منطقة محفوفة بالمخاطر.
فيتعين على الدول العربية المعنية تجنب الانخراط في عملية تهدف إلى إنشاء هيكل أمني إقليمي للشرق الأوسط قبل التشاور فيما بينها. الأمر الذي يستلزم إجراء مشاورات بشأن تحديد التهديدات المشتركة، واختيار نموذج الهيكل الإقليمي الذي يصون مصالحها الأمنية، بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التعاون فيما بينها في إنشاء آليات من شأنها تعزيز قوتها التفاوضية إزاء الدول الإقليمية الأخرى التي ستكون في نهاية المطاف جزءاً من الهيكل الأمني الإقليمي.
باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي