ثابت حسين صالح*
في الحلقة الماضية حاولنا تقديم قراءة موجزة لأهمية الأجراءات التي اتخذها البنك المركزي عدن ووزارة النقل وأثرها على الحوثيين ورد فعلهم الغاضب والهستيري، وضغوطات الدول العظمى لإلغاء هذه الإجراءات، ووقف التصعيد بين الطرفين بموجب البيان الذي أعلنه المبعوث الأممي لليمن هانس جروندبرج.
وطرحنا سؤالا ملحا عن مواقف وخيارات كل من التحالف العربي والمجلس الانتقالي الجنوبي وكذلك القوى المناهضة للحوثيين شمالا.
بالنسبة للتحالف العربي أعتقد أن تجربته طوال سنوات الحرب التسع مع سلطة الشرعية والمقصود هنا جناح الشمال الذي ظل وما زال مهيمنا على هذه السلطة رئاسة وحكومة، وله فيها نصيب الاسد...هذه التجربة كانت مليئة بالخيبات وفقدان الثقة،بل وصل الأمر حد اكتشاف أمر التخادم مع الحوثيين من جانب بعض القيادات وخاصة الموالية للإخوان وبعض أجنحة المؤتمر.
هذا التخادم كان دافعه إما نقاط التقاء وتوافق مع الحوثيين، وإما نكاية بالتحالف وابتزازا له وبالانتقالي الجنوبي.
لذلك عند تقييم موقف التحالف من الاتفاق الأخير ومما سيأتي بعده بين الحكومة والحوثيين علينا الاخذ بعين الاعتبار العوامل التالية:
العامل الأول: عدم ثقة التحالف بجدية سلطة الشرعية و"جيشها الوطني" في محاربة أو مقاومة الحوثيين.
العامل الثاني: فتور العلاقات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وضبابية وتناقض مواقفهما واقوالهما في تعاملهما مع المملكة والإمارات من ناحية، ومع الحوثيين من ناحية أخرى.
العامل الثالث وقد يرقى ويدفع بنفسه إلى المقام الأول، لكنه نتاج العاملين السابق ذكرهما، هو توجه قيادة البلدين للتركيز في هذه المرحلة بالذات على تحقيق الرؤى الشاملة لتطوير بلديهما في كل المجالات الاقتصادية والعلمية والعسكرية، وهذا يتطلب تحقيق حد أعلى من مناخ الاستقرار الأمني والاقتصادي، وتفعيل وتنشيط الجانب الدبلوماسي والعمل السياسي في التعامل مع الأزمة والحرب في اليمن ومع عموم ازمات المنطقة، بما يخدم البناء الداخلي والمصالح القومية لهذه الدول.
أما مواقف الاطراف المناوئة للحوثيين شمالا...فالحديث ممكن يدور فقط عن الاطراف التي لها ثقل عسكري على الأرض، كالمكتب السياسي للمقاومة الوطنية الذي يقوده العميد طارق صالح في الساحل الغربي لتعز، وكذلك مقاومة إجراء من تعز التي لحزب الإصلاح فيها اليد الطولى، ومقاومة ما بقي من مأرب خارج سيطرة الحوثيين ،حيث السلطة فيها لمحافظ مارب سلطان العرادة مع تواجد قوي ومؤثر لقيادات عسكرية وقبلية اغلبها من شمال الشمال.
كل هذه القوى الثلاث المنضوية شكليا في إطار سلطة الشرعية كقوى مناهضة للحوثيين شمالا، لكنها عمليا تدير مناطق سيطرتها كمقاطعات حكم ذاتي..وتشهد جبهات مواجهتها مع الحوثيين حالة من الجمود منذ سنوات.
وموقف هذه القوى من الاتفاق الأخير ومما سيأتي بعده محكوما بمصالحها الحزبية والقبلية وبعلاقاتها بالخارج.
وبصورة أوضح مواقف هذه القوى متذبذبة بين صراعها مع الحوثيين في الشمال كطرف عنصري وإقصائي، من ناحية وبين تمسكها باليمن الموحد "الكبير"، مما يجعل موقفها هذا متوافقا مع موقف الحوثيين، ومعاديا لهدف وحق الجنوبيين بقيادة الاننقالي في استعادة دولتهم المستقلة، من ناحية أخرى.
ويبقى الموقف الأهم والرقم الأصعب صاحب الثقل على الأرض المحررة والرافضة قطعيا للحوثيين هو الجنوب بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي.
وهذا سيكون موضوع الحلقة الثالثة والأخيرة بإذن الله تعالى.
*باحث ومحلل سياسي وعسكري