على سبيل الأمثلة : بين أعوام 1962-1970 التي عرفت بفترة الحرب الملكية الجمهورية...كان السلوك السائد حينها "جمهوري بالنهار وملكي بالليل"...وما إن فرغوا من تلك "الحرب" حتى تفرغوا لتصفية القيادات السبتمبرية والثورية وعلى أساس طائفي مقيت.
خلال فترة "المسار الوحدوي"...كانوا يتحدثون في وسائل إعلامهم عن "الشطر الجنوبي الشقيق"، وبغض النظر عن عدم صحة هذا المسمى الإدعائي المشوه،... كانوا على الواقع يحيكون المؤامرات ويخططون للاستيلاء على أرض الجنوب وثرواته ، وليشرب شعبه من البحر...
هذا ما حصل وتأكد من خلال حروب 1972 و 1979 وصولا إلى "فخ" الوحدة وأزمة وحرب 1994...وحتى الآن.
حتى خلال حروب صعدة 2004-2010، كانوا يتحدثون من "مواجهة الروافض" أي الحوثيين، بحسب منابر حزب الإصلاح الإعلامية والمشيخية...بينما كانوا على الواقع يعتبرون هذه الحروب ميدانا لتصفية الحسابات بينهما على خلفية الصراع على السلطة بعد توجه الرئيس صالح لتوريث الحكم لإبنه احمد، بدلا عن علي محسن ، كما كان متفقا عليه بينهما وبين الشيخ بعد اغتيال كل من الحمدي و الغشمي عامي 1977و 1978.
ومنذ 2015 ...ظلوا يتحدثون عن الخصم المشترك -الافتراضي- الحوثيين...لكنهم في الحقيقة وعلى الأرض ظلوا وما زالوا يحاربون المجلس الانتقالي الجنوبي وشعب الجنوب ، ويخدمون بطريقة أو بأخرى، بقاء الحوثيين حكاما على "اليمن الموحد الكبير".
أنا لا أقصد هنا عامة الناس وبسطائهم، بل نخب سياسية وعسكرية ودينية، وثقافة متأصلة تقوم على "الغاية تبرر الوسيلة" و"الضرورات تبيح المحظورات "ومرض الإنفصام المزمن بين الاقوال البراقة والأفعال القبيحة والخبيثة.
من هذه البيئة الثقافية الاجتماعية أتت الاحزاب السياسية ومراكز القوى في الدولة واحبطوا كافة التوجهات الوطنية في الشمال وكذلك المشاريع الوحدوية وواجهوا بعقليتهم تلك كل القوى الخيرة في المجتمع حتى أوصلوا الجميع إلى مأزق تاريخي.
وللاسف ما يزال المشهد السياسي والعسكري اليوم تحت تاثير تلك القوى التي تعيد انتاج الذات في كل مرحلة.
ولهذا لا يمكن أن يتحقق أي هدف إلا بالتغيير الحقيقي والجاد للأدوات الفاسدة تلك والتي درجت بفطرتها على الهدم، وهذا امر يحتاج إلى زمن والى أجيال متحررة من تلك الثقافات المتوارثة.
*باحث ومحلل سياسي وعسكري